تعلم كيفية قراءة مخطط عمق العملات الرقمية لفهم شعور السوق، وتحديد مستويات الدعم/المقاومة، وتجنب الانزلاق وأوامر البيع/الشراء الوهمية وغيرها من المخاطر.

تخيل أنك دخلت إلى سوق خضار مزدحم. على اليسار، هناك مجموعة من المشترين يصرخون بأعلى سعر هم مستعدون لدفعه مقابل سلة تفاح؛ وعلى اليمين، هناك مجموعة من البائعين يحددون أدنى سعر يرغبون في بيع التفاح به. إذا استطعت رسم صورة توضح رغبات الشراء والبيع في هذا السوق بشكل لحظي، بحيث ترى عند كل سعر كم عدد المشترين وكم عدد البائعين—فهذا هو بالضبط مخطط عمق العملات الرقمية في أبسط صوره.

فهم كيفية قراءة مخطط عمق العملات الرقمية لم يعد مهارة حصرية للمتداولين المحترفين، بل أصبح مهارة أساسية لكل مشارك في السوق لفهم شعور السوق واتخاذ قرارات أكثر حكمة.

ما هو مخطط عمق العملات الرقمية: تصورك البصري الأول لدفتر أوامر السوق

ببساطة، مخطط عمق العملات الرقمية هو النسخة البصرية من “دفتر الأوامر” (Order Book). دفتر الأوامر يسجل جميع أوامر الشراء والبيع غير المنفذة لأصل رقمي معين في لحظة معينة. ولكن بالنسبة للمبتدئين، قراءة قوائم الأرقام الكثيفة بشكل مباشر قد لا يكون سهلاً.

هنا يأتي دور مخطط العمق، حيث يستخدم “جدران” بصرية على الجانبين لعرض قوى العرض والطلب في السوق:

• جدار الشراء (أخضر): عادةً يظهر على يسار المخطط، ويمثل جميع أوامر الشراء، مشكلاً ما يسمى بـ"جدار الشراء".
• جدار البيع (أحمر): عادةً يظهر على يمين المخطط، ويمثل جميع أوامر البيع، مشكلاً ما يسمى بـ"جدار البيع".

هذا المخطط يعمل كأشعة سينية للسوق، حيث يمكنك بسهولة رؤية عند أي نقطة سعرية يتركز المشترون والبائعون.

لماذا يعتبر مخطط العمق أداة أساسية لفهم شعور السوق

تكمن قيمة مخطط العمق في أنه يكشف “شعور السوق” الخفي خلف الأرقام. عندما يكون أحد الجدران مرتفعاً وكثيفاً بشكل ملحوظ، فإنه يرسل إشارة قوية: هناك إجماع كبير في السوق عند هذا المستوى السعري.

على سبيل المثال، إذا كان جدار الشراء الأخضر مرتفعًا بشكل استثنائي عند سعر معين، فهذا يعني أن هناك قوة شرائية كبيرة متجمعة عند هذا المستوى، وربما يكون شعور السوق متفائلاً. وعلى العكس، جدار البيع الأحمر الضخم يشير إلى ضغط بيع قوي، وقد يكون شعور السوق أكثر حذراً. من منظور التحليل قصير المدى، فإن هذا التصور البصري للشعور يساعدنا على فهم ديناميكية السوق بشكل أفضل.

كيف تقرأ مخطط العمق بثلاث خطوات: إتقان جدران الشراء/البيع، العمق، وفجوة السعر

إتقان قراءة مخطط عمق العملات الرقمية بسيط ويعتمد على ثلاثة عناصر أساسية:

1. انظر إلى جدار الشراء (المنطقة الخضراء) على اليسار

هذا الجدار يتكون من جميع أوامر الشراء المعلقة. المحور الأفقي في المخطط يمثل السعر، والمحور الرأسي يمثل الكمية التراكمية للأوامر. كلما ارتفع الجدار، زاد عدد أوامر الشراء المتراكمة عند هذا السعر أو أقل؛ وكلما كان الجدار أكثر انحدارًا، تركزت أوامر الشراء في نطاق سعري ضيق.

2. انظر إلى جدار البيع (المنطقة الحمراء) على اليمين

بنفس الطريقة، هذا الجدار يعرض جميع أوامر البيع المعلقة. جدار البيع الأحمر العالي يعني وجود رغبة قوية للبيع عند هذا السعر أو أعلى. يمكن للمحلل أن يستنتج مصدر ضغط البيع من شكل هذا الجدار.

3. انظر إلى الفجوة في المنتصف (فرق السعر/Spread)

المساحة الفارغة بين جدار الشراء وجدار البيع تمثل الفرق بين أعلى سعر شراء وأدنى سعر بيع، وتسمى “فرق السعر” أو “السبريد”. كلما كان السبريد أقل، كان الأصل أكثر سيولة والتداول أكثر نشاطاً. على العكس، الفجوة الكبيرة قد تعني نقص السيولة وارتفاع تكاليف التداول.

إشارات رئيسية بمخطط العمق: تحديد الدعم، جدران المقاومة، ومخاطر الانزلاق

بعد إتقان قراءة المخطط الأساسي، يمكنك البدء في تمييز بعض الإشارات المهمة في السوق:

• مستوى الدعم (Support): عندما ترى جدار شراء أخضر ضخم وكثيف، غالبًا ما يُعتبر هذا “مستوى دعم” محتمل. يشبه شبكة أمان، حيث إذا انخفض السعر لهذا المستوى سيقابل كمية هائلة من أوامر الشراء، مما قد يبطئ أو يمنع مزيدًا من الهبوط.
• جدار المقاومة (Resistance): على العكس، جدار البيع الأحمر المرتفع يشكل “جدار مقاومة”. عندما يرتفع السعر إلى هذا المستوى، يواجه ضغط بيع قوي كأنه يصطدم بسقف يصعب تجاوزه.
• مخاطر الانزلاق السعري (Slippage): “سُمك” مخطط العمق يكشف أيضاً عن مخاطر الانزلاق السعري. إذا كان الجداران ضعيفان أو نحيفان، فهذا يدل على ضعف عمق السوق. عند تنفيذ صفقة كبيرة، قد لا تجد السيولة الكافية بالسعر المرغوب، ما يؤدي إلى تنفيذ الصفقة بسعر مختلف عن المتوقع—وهذا هو “الانزلاق”. كلما كان مخطط العمق أكثر كثافة، كلما زادت السيولة وقلت مخاطر الانزلاق.

أخطاء شائعة في تحليل مخطط العمق: كيف تتجنب فخاخ السيولة وأوامر البيع/الشراء الوهمية

رغم فائدة مخطط العمق الكبيرة، إلا أنه ليس مصدراً موثوقاً بنسبة 100%. عليك أن تنتبه لبعض الاستراتيجيات المتقدمة في السوق، وأشهرها “أوامر البيع/الشراء الوهمية” (Spoofing).

تخيل أن شخصاً ما يضع أمراً ضخماً للشراء فقط ليصنع وهم وجود طلب قوي، فيظهر جدار شراء ضخم يبدو غير قابل للاختراق على المخطط. قد يدفع هذا متداولين آخرين للشراء، فيرتفع السعر. ولكن بمجرد ارتفاع السعر، يقوم هذا “المخادع” بإلغاء أمر الشراء الكبير بسرعة ويبيع لجني الأرباح.

هذه الاستراتيجية شائعة في التداول الآلي وعالي التردد وتهدف للتلاعب بشعور السوق. لذا من أهم مهارات التحليل: لا تركز فقط على ارتفاع الجدران، بل راقب أيضاً مدة بقاء هذه الأوامر الكبيرة. الجدران التي تظهر وتختفي سريعاً دون تنفيذ فعلي غالباً ما تكون أوامر وهمية وفخاخ سيولة يجب الحذر منها.

الخلاصة: من الفهم للاستفادة—كيف تدعم مخططات العمق قراراتك التحليلية

في جوهرها، تعلم قراءة مخطط عمق العملات الرقمية يشبه تعلم لغة جديدة—لغة بصرية عن العرض والطلب وشعور السوق. هذه اللغة تساعدك على تجاوز تقلبات الأسعار السطحية وفهم السلوك الجماعي للمشاركين بشكل أعمق.

بالطبع، مخطط العمق ليس كرة بلورية تتنبأ بالمستقبل، بل هو أداة واحدة فقط بين أدوات التحليل المتعددة. المتداول المحترف يجمع بين هذه الأداة وغيرها من المعلومات والمؤشرات ليكوّن رؤية شاملة عن السوق، ولا يعتمد على مؤشر واحد فقط.