صعود الصين، وعاء الرز الذهبي لسنغافورة على وشك الانكسار

سنغافورة أصبحت في حالة هلع تام.
الوعاء الذهبي الذي احتفظت به لنصف قرن، تحطمه الصين ضربةً بعد ضربة.
في عام 2023، انكمش الناتج المحلي الإجمالي لسنغافورة بشكل نادر بنحو 3 مليارات دولار، وسجل نصيب الفرد من الناتج المحلي أول نمو سلبي منذ ثلاث سنوات. وفي 2024 تعافت بالكاد، معتمدة فقط على بعض الصناعات التحويلية المتقدمة للبقاء. هذه الدولة الصغيرة التي كانت تربح بسهولة من موقعها على مضيق ملقا، وخدمة الشركات متعددة الجنسيات، وكونها مركزاً مالياً خارجياً، أصبحت الآن تُستبدل بشكل شامل بصناعات الصين.
لنبدأ بشريان الحياة، مضيق ملقا.
كل عام تمر 140 ألف سفينة، و80% من النفط المستورد للصين. سنغافورة كانت تعيش على إصلاح السفن، وتزويدها بالوقود، والتخزين، والتكرير، وكانت تجني الأرباح. لكن الآن:
• في 2025 حجم الشحن عبر الممر الشمالي القطبي تجاوز 40 مليون طن؛
• قطار الصين-أوروبا وصل إلى 110 ألف رحلة، من تشونغتشينغ إلى دويسبورغ فقط 16 يوم؛
• من شنغهاي إلى روتردام عبر القطب الشمالي أسرع بـ22 يوماً ويوفر 3 ملايين دولار من الوقود.
البضائع ذات القيمة المضافة العالية انتقلت كلها للسكك الحديدية والممر القطبي، ولم يعد مضيق ملقا ضرورة لا غنى عنها.
الأقوى من ذلك ميناء جوادار.
في 2025 حجم التداول بلغ 547 ألف طن، ومع فتح ممر واخان، ستتجه معادن آسيا الوسطى مباشرة إلى المحيط الهندي، وتختفي مسافة 3000 كيلومتر من الترانزيت عبر سنغافورة. تايلاند أعلنت أن 60% من الشحنات الرسمية ستمر عبر جوادار، وبدأت سلسلة الدومينو في السقوط.
حتى الصناعة التحويلية تنهار.
قطاع الإلكترونيات كان يشكل 40% من الصناعة السنغافورية، و60 مصنعاً للرقائق يدعمون 7% من الناتج المحلي، وكانت شركات مثل TSMC وMicron تطلق عليها "جزيرة السيليكون الآسيوية".
والنتيجة؟
SMIC تحقق إنتاجاً ضخماً بتقنية 28nm، Yangtze Memory تنتج NAND ثلاثي الأبعاد بـ128 طبقة، ومنطقة لينغانغ جذبت GlobalFoundries وInfineon. في 2024، استقطبت الصين استثمارات أجنبية مباشرة في قطاع الصناعة التحويلية أكثر من سنغافورة بـ17 نقطة مئوية.
سوق ضخم من 1.4 مليار نسمة وسلسلة صناعية متكاملة، من سيزاحمك على 728 كيلومتر مربع؟
الهالة المالية تدهورت أكثر.
كانت ثالث أكبر مركز خارجي لليوان عالمياً، بحجم أصول مُدارة 2.6 تريليون دولار سنغافوري، أما الآن؟
منطقة التجارة الحرة في شنغهاي تغطي 92 دولة، وسكة حديد الصين-لاوس، والقطار فائق السرعة بين جاكرتا وباندونغ كلها مشاريع بنوك صينية، وحتى تماسيك استثمرت بشكل محموم في الطاقة الجديدة والذكاء الاصطناعي في الصين.
مع فرض ضريبة شركات 15% في ميناء هاينان للتجارة الحرة، سارعت 12 شركة مدرجة في سنغافورة لفتح مقرات إقليمية في هاينان. ضريبة أرباح رأس المال 0%؟ لا قيمة لها أمام نزوح سلاسل الصناعة.
الأمر الأكثر إيلاماً أن الصين نسخت نموذج سنغافورة بالكامل ووسعته أكثر:
منتزه سوتشو الصناعي حقق 340 مليار يوان من الناتج المحلي، ومنطقة تشيانهاي في شينزين ضاعفت تسويات اليوان الخارجية ثلاث مرات في ثلاث سنوات، وأسطول تجريف الصين يردم البحر في سنة أكثر 23 مرة من سنغافورة.
حتى قناة كرا طُرحت مجدداً، وإذا تم حفرها، سيخسر ميناء سنغافورة نصف الـ37 مليون حاوية سنوياً لصالح منافسين آخرين.
سنغافورة اليوم تشبه هونغ كونغ قبل 20 سنة.
عندما نمت هوا تشيانغ بي في شينزين، أصيبت هونغ كونغ بالذعر؛ واليوم مع ازدهار دلتا نهر اللؤلؤ + هاينان + تشيانهاي، سنغافورة بالكاد قادرة على الحفاظ على دور "الوسيط".
والأسوأ أن خياراتها أضيق من هونغ كونغ:
90% من الغذاء مستورد، 50% من المياه من ماليزيا، حتى رمال الردم تشتريها من إندونيسيا.
خلال نصف القرن الماضي، استفادت سنغافورة من كونها "الوسيط الخارق" بكل المزايا الجيوسياسية:
ميناء تركه البريطانيون، قاعدة دعم للجيش الأمريكي أثناء الحرب الباردة، منصة انطلاق للإصلاح والانفتاح الصيني.
أما اليوم، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة، بنظام دوران مزدوج ذاتي، فمن يحتاج إلى "القشة" السنغافورية بعد الآن؟
في 2024، تراجع معدل إعادة استثمار رأس المال الأجنبي في سنغافورة لأدنى مستوى منذ 12 سنة، بينما ارتفع الاستثمار الأجنبي في الصناعة التحويلية الصينية المتقدمة بـ28%.
هذه ليست منافسة، بل انتقال مركز سلسلة الصناعة بالكامل.
وعاء الرز الذهبي لسنغافورة فعلاً على وشك الانكسار،
وسيتحطم إلى أجزاء.
أما نحن، فما زلنا في البداية!